رهانات ترجمة النصوص المقدسة: بين الخصوصية والكونية
986 مشاهدة
نظم المعهد الفرنسي بمراكش يوماً دراسياً تحت شعار « ترجمة النصوص المقدسة »، احتفاءً بالمترجمة دينس ميسون (Denise Masson) (1901-1994).
و تميز اللقاء بمشاركة إيميلي كوتغيل (Emily Cottrel)، المتخصصة في تاريخ الأديان، التي تناولت في مداخلتها الأحداث البارزة التي شكّلت المسار الأكاديمي لدينس ميسون. أوضحت أن أهمية ترجمة ميسون للقرآن تكمن في اشتغالها على النص الديني بمعزل عن التأويلات التقليدية للمفسرين.
كما تمحور النقاش حول رهانات ترجمة النصوص الدينية، وبالأخص النص القرآني، حيث ركز المتدخلون على الإشكالات والأسئلة النقدية التي تثيرها قضية الترجمة، مع استحضار الفلسفة والأنثروبولوجيا كمرجعيتين أساسيتين.
و خلال مداخلته، أوضح د. محمد موهوب المفارقات الأنطولوجية التي تثيرها مسألة ترجمة النصوص المقدسة، منطلقاً من فرضية أن القول الإلهي يتميز بخاصية اللانهائية (l’infinité de la parole divine). استدل بالآية الكريمة: « قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً » (سورة الكهف: 109).
كما أشار إلى أن عملية الترجمة تفترض القدرة على الإمساك بدلالات النص، رغم أن معانيه غير قابلة للحصر.
و اعتبر د. موهوب أن الترجمة تسعى إلى « تحييد » (neutraliser) التناقض بين النص الإلهي اللانهائي وفعل الترجمة الإنساني المحدود. فالترجمة ليست مجرد نشاط لنقل النص إلى لغة أخرى، بل هي وسيلة لتجاوز محدودية الفكر واللغة، وإثرائهما عبر محاولة التعامل مع نصوص « استثنائية » مثل القرآن الكريم. وأكد أن الترجمة تمثل جسراً يربط بين خصوصية النص الديني وكونيته، إذ تعكس الكونية التي ينزع إليها النص مع كل ترجمة جديدة.
و في مداخلة ثانية، اعتمد د. عبد الحي صادق منظوراً أنثروبولوجياً، مشيراً إلى أن تعدد ترجمات النصوص المقدسة يعكس زوايا نظر مختلفة تفتح آفاقاً أوسع للتفكير الإنساني. أكد د. صادق أن الترجمة ذاتية وتعبر عن رؤية المترجم وتجربته مع النص. كما أشار إلى أن الغاية من الترجمة تتجاوز مجرد نقل النص إلى بناء فضاء حضاري مشترك يحقق الانسجام بين الثقافات المتعددة (transculturation).
وختم د. صادق مداخلته بتأكيد أن الترجمة ليست خياراً، بل ضرورة مستمرة تعكس الجهد الإنساني المتواصل لفهم النصوص المقدسة في سياقات متعددة. استشهد بمقولة جورج ستينر: « الإنسان لا يولد مترجماً، بل يصبح كذلك ».
هذا اليوم الدراسي أضاء جوانب مختلفة من إشكالية ترجمة النصوص المقدسة، حيث مثل مساحة علمية لبحث سبل الجمع بين خصوصية النصوص وقدرتها على التعبير عن معانٍ كونية تتجاوز حدود الثقافات واللغات.