ترشيحات مهينة للديمقراطية ولتاريخ النضال الوطني دون اعتماد ميثاق للأخلاقيات 

1736 مشاهدة

ترشيحات مهينة للديمقراطية ولتاريخ النضال الوطني دون اعتماد ميثاق للأخلاقيات 

 

ليس وحده السجل العدلي وخلوُّه من السوابق كفيلاً بضمان الذمة السلوكية والأخلاقية والقانونية للمرشحين للانتخابات العامة في بلادنا التي كشفت التجارب السابقة تورط غالبية المنتخَبين في قضايا فساد مالي وإداري يبث في بعض ملفاتها القضاءُ وبعضها الآخر ينتظر مع طول المدة التي تتيح للمتابعين العودة الى مواقع المسؤولية من باب الترشيح بسجلات خالية من السوابق.

مرشحون كثيرون فيهم النساء والرجال تقدموا للانتخابات الجارية في اقتراع 08 سبتمبر المقبل وتاريخهم أسود وصحائفهم ملوثة من أيادي غير نقية وأخلاق غير سوية…إذا تحدثوا كذبوا وإذا ائتُمنوا خانوا…

وإذ راكم المغرب حوالي نصف قرن من الممارسة الانتخابية المتواصلة تَمثَّل فيها نماذج ديمقراطية رائدة لاسيما في أوربا الغربية خصوصا فرنسا، فإن استيحاء الأنموذج تم تجريده من أبعاده الأخلاقية الاجتماعية الإنسانية التي يجب أن تؤطر الممارسة التمثيلية والفعل الديمقراطي وتُرسِّخَه كتربية وسلوك مجتمعي.

فالذي يخون زوجَهُ ويتلصص ويسرق، والذاعر الماجن والذي يمارس التحرش، والخائن الكذاب الغشاش وكل من لف لفهم، لا يحق لهم التقدم لطلب الثقة وتمثيل المواطنين والارتقاء الى مناصب المسؤولية سواء بالانتداب أو بالتعيين.

وأما ما يطالع الناخبين في لوائح الترشيح المعلنة والمنشورة، ففيها من التحايل والانتحال والكذب والزور والبهتان والادعاء ما يُبطِل أن تكون الانتخابات وما ينتج عنها فعلا ديمقراطيا وسلوكا تمثيليا لمجتمع ضحت أجيال من خيرة أبنائه بزهر الشباب وقدمت الدماء والأرواح في سبيل أن تشهد اليوم الديمقراطي الذي يكون فيه للتقدمية بوطنهم مفهومها الواقعي بالكرامة التي هي كرامة وبالإنصاف الذي هو إنصاف وبالمناصفة التي هي مناصفة وبالتغيير الذي هو تغيير وبالحرية التي هي انعتاق وانطلاق ومسؤولية، وبالنضال الحق من أجل ضمان الخبز للجميع…

إن واقع الترشيحات اليوم يؤكد أن النضال كذبة مغربية أو أن التاريخ مثلنا كاذب، فبكَمّ اللوائح المقدمة لهذه الانتخابات وبعدد الأسماء فيها وصفاتهم وحضورهم في ساحة الوجود الثقافي والسياسي والاجتماعي وغيره، تلحق الإهانة بالشهيدة سعيدة المنبهي وبرفاقها الشهداء الأبرار الذي دفعوا من دمائهم وأرواحهم الثمن الباهض ليتحقق للشعب المغربي غد أفضل بالتغيير الذي يلبي الطموحات والانتظارات.

فقليل ممن تسللوا الى الترشيح الانتخابي منذ سبعينيات القرن الماضي من المنفلتين للتأطير الأيديولوجي والتكوين السياسي والأهلية النضالية أصبحوا أغلبية ساحقة في لوائح الترشيح الحالية ومن أمثالهم الذين لا يفقهون قولا ولا يميزون حرفا وانقادت لهم الأحزاب وانقادت الانتخابات وهم الآن أئمة الآبقين كما عند المتنبي.

ولا عجب سوى من برامج سياسية انتخابية تنشد التنمية وتطمح الى التغيير بفيالق من « الأميين »لا يعلمون من منشور بين أيديهم غير أماني؛ ولا عجب إلا من هذه الأحزاب التي نزعت عنها ثوب الحياء من تقديم البرامج التي لا رجال لها ولا نساء في الميدان قادرون على تنفيذ التزاماتها من دون نخبة القيادة التي منهم مرشح الوزير ومرشح العمدة ومرشح المدير ومرشح حتى الغفير ولبقية الشعب الصراخ والاحتجاج والصفير…

فالانتخابات التي كانت شأن الخاصة وخاصة الخاصة من أطر الأحزاب ومناضليها والسياسيين من جمهرة المثقفين والحرفيين والصناع والعمال ورجال الأعمال تحولت الى سوق عام وكمهرجان الأطفال وتحللت فيها الأحزاب السياسية من كل مسؤولية أخلاقية وجعلت منها أرجوحة تتقاذف بالعامة الى المواقع التي يتحسن بها الوضع الاعتباري بعيدا عن الأهداف لكل عملية انتخابية تروم الانتداب التمثيلي من اجل المصلحة العامة في التغيير نحو الأفضل.

وبعد كل الذي تهيأ في الترسانة القانونية للانتخابات المغربية وما راكمته من تجارب مبتدعة مبتكرة للتحكم في النتائج التي تفرز النخب على المقاس، سيبقى العزوف وستظل النخب الحقيقية للبلاد في هجرتها للسياسة ما لم يتم اعتماد ميثاق الأخلاق الوطنية التي تؤهل للترشيح وللانتداب في المهام التمثيلية وجعل بنوده أساس الملف القانوني لدى السلطات لقبول الترشيح في كل انتخاب حتى لا يتقدم لطلب الثقة إلا الذي يرتضي الوطن أخلاقه ومروءته وكيلا يجري على بلادنا في ظل واقعها الديمقراطي المريرمقولة « كما تكونون يولى عليكم ».

اخر الأخبار :