بلاغة الكرسي والمجلس في تذكر أبي حنيفة حين مد رجليه
1851 مشاهدة
قد يكون مبررا في بعض المجالس تواجدُ أعضاء بغير مؤهل لا علمي ولا ثقافي ولا تقني متخصص حين تقودهم الممارسة الانتخابية إلى العضوية التي يكتسبونها بثقة الناخبين في معترك الديمقراطية، لكن في غير هذه الحال يستعصي تبرير اكساب هذه الصفة في مجالس متخصصة ذات شأن تدبيري على درجات من الأهمية كبرى.
وليس وحدها المجالس من هذه الدرجة التي تسلل إليها بعض من يتقنون الكلام فنا بالتزلف، علمُهم عناوين كبرى وثقافتُهم هواء ولغتُهم شدق هباء ولا عجب! سوى من توليفة الأعلام من شخصيات الهوامّ والذين من دونهم في الرتبة والمقام…
ما أنصف الكرسي حين يبيح مقعده على قدر السواء بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فلكأنما هو كرسي بثلاثة أرجل أو أنه ليس في القوم منا رجل رشيد.
وغير خاف أن الكرسي مهما يكن وتيرا لا يصنع المرء، وعبر العصور والدهور ارتقى المنابر وتولى المناصب وتولى المسؤوليات وارتقى الدرجات نكراتٌ ظلوا في معاجم الأعلام أسماء بلا علم ولا سلطة أوقدرة.
ولم يكن عبثا أن يأتي الكرسي في القواميس مرادفا للعلم والسلطان والعظمة والقدرة والملك، وكان الكرسي عمودا في جامع أو جامعة تتهيب منه المعارف وتخضع له الألسن وتنقاد إليه الحكمة وتساس به الأمم له سطوة وجبروت وهيهات!
هيهات حين انجر الكرسي إلى مواضع اللحن والعنة والعي، فهل يكون للأمر أبدا صدع وللحق جهر أم يكون للحدث خبر أو للحكم أثر…
وما جرني في هذا العمود للحديث عن الكرسي في المجلس غير مطالعة العقد الفريد وتذكُّر أبي حنيفة الذي مد رجليه، فاستحضرت ذاك الزمان وهذا العصر متبينا الفرق بين مد الرجلين ومد الأرجل…
فعسى ألا يبلغ التجاسر حدَّ مد الرجلين على الكرسي الذي أعلم قدره ويحتظي لدى النخب وكل ذي مروءة بالجلال والوقار الذي لا يبيح إنزاله دون منزلة العلماء الذين خلدوا باقتعاده.