المغرب على حافة الخطر تراجع الخصوبة شيخوخة السكان وغلاء المعيشة يهدد المستقبل
990 مشاهدة
تشير بيانات الإحصاء العام الأخير للسكان الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط خلال العام الجاري إلى استمرار انخفاض معدل الخصوبة الكلي في المغرب، مما يعكس تحولا ديموغرافيا كبيرا يرافقه تسارع في شيخوخة السكان. هذه المعطيات تبرز توجهات جديدة على المستوى الوطني والجهوي، حيث سجل معدل الخصوبة الكلي انخفاضا ملحوظا ليصل إلى 1.97 طفل لكل امرأة، وهو مستوى أدنى من عتبة تعويض الأجيال التي تبلغ 2.1 طفل لكل امرأة.
هذا التراجع الملحوظ يُظهر تطورا مستمرا لمعدلات الخصوبة خلال العقدين الأخيرين، حيث انخفض المعدل الوطني من 2.5 في 2004 إلى 2.1 في 2014، قبل أن يستقر عند 1.97 في 2024. وتظهر هذه التغيرات بشكل أكثر وضوحًا عند المقارنة بين الوسطين الحضري والقروي؛ ففي الوسط الحضري، انخفض المعدل من 2.21 في 2004 إلى 1.77 في 2024، بينما شهد الوسط القروي تراجعًا من 3.1 إلى 2.37 خلال الفترة ذاتها. وتُبرز هذه الأرقام أيضًا تباينات واضحة على مستوى الجهات، حيث سجلت بعض المناطق أعلى المعدلات مثل درعة – تافيلالت بـ 2.35، بينما سجلت جهات أخرى معدلات أدنى مثل الدار البيضاء – سطات بـ 1.73، مما يعكس اختلافات اجتماعية واقتصادية تؤثر على السلوك الإنجابي بمختلف مناطق المملكة.
إلى جانب هذه المؤشرات، يكشف التقرير عن تراجع نسبة الأطفال دون سن 15 سنة ضمن التركيبة السكانية، مقابل ارتفاع ملحوظ في فئة كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 60 عامًا. ففي عام 2004، كانت نسبة الأطفال تشكل 31.0% من السكان، بينما انخفضت إلى 26.4% في 2024. وفي المقابل، ارتفعت نسبة كبار السن من 8.0% إلى 13.8% في الفترة ذاتها، وهو ما يعكس اتجاه المغرب نحو شيخوخة ديموغرافية متسارعة تعكس نتائج انخفاض الخصوبة وارتفاع أمد الحياة.
لكن، لا يمكن عزل هذه الظواهر عن السياق الاجتماعي والاقتصادي العام؛ فالتراجع عن الزواج، وانخفاض معدل الخصوبة عن عتبة تعويض الأجيال، وتقلص حجم الأسر، وتدهور الحالة الإحصائية بالمغرب عموما، هي نتائج مباشرة لغلاء المعيشة وتدهور قطاع الشغل، وكلها أمور تدق ناقوس الخطر في بلادنا. إذ أصبحت القدرة على تأسيس أسر وإنجاب أطفال مرتبطة أكثر من أي وقت مضى بالوضعية الاقتصادية للأسر المغربية، مما يخلق تحديات إضافية أمام تحقيق توازن ديموغرافي مستدام.
هذا التحول الديموغرافي العميق يضع المغرب أمام مجموعة من التحديات الجديدة التي تستدعي التفكير في حلول عاجلة. فمن جهة، يؤدي الانخفاض المستمر في الخصوبة إلى تضييق قاعدة الهرم السكاني، مما يُثقل كاهل الفئات النشيطة اقتصاديا ويؤثر على النمو المستدام. ومن جهة أخرى، فإن زيادة نسبة كبار السن تتطلب تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية والخدمات الصحية لضمان حياة كريمة لهذه الفئة. كما أن تراجع نسبة الشباب ضمن التركيبة السكانية قد يحد من وفرة اليد العاملة مستقبلا، مما سيؤثر سلبًا على الديناميكية الاقتصادية والتطور الاقتصادي للبلاد.
وفي ظل هذه المعطيات، يصبح من الضروري اعتماد سياسات استباقية لمواجهة التحديات التي يفرضها هذا التحول الديموغرافي. وتشمل هذه السياسات تحفيز الإنجاب عبر برامج دعم الأسرة لتحقيق توازن ديموغرافي مستدام، وتطوير أنظمة الحماية الاجتماعية لضمان مواكبة متطلبات شيخوخة السكان، إلى جانب تعزيز فرص العمل للشباب لضمان مشاركة فعالة للفئات النشيطة اقتصاديا. في المجمل، تُظهر هذه المعطيات أن المغرب يقف اليوم أمام تحولات ديموغرافية عميقة تتطلب استراتيجيات فعالة ومتوازنة، بل اعتماد قرارات جريئة لضمان مستقبل مستدام ومزدهر للجميع.