الحبيب ابوريشة.. ذاكرة مراكش الحية وصانع صيفها الثقافي

في زمن كانت فيه مدينة مراكش تبحث عن ملامحها الثقافية والفنية في صيف يثقل كاهلها بحرارته القاسية وجموده الثقافي برز اسم الاعلامي الحبيب ابوريشة كأحد الاسماء التي نقشت حضورها في الذاكرة المراكشية ليس بالكلمات فقط بل بالفعل والاصرار والرؤية التي تستشرف المستقبل
لقد كان ابوريشة من بين الجنود المجهولين الذين اسهموا بصمت وبتفان قل نظيره في تنظيم واحدة من اضخم التظاهرات الفنية التي عرفتها المدينة الحمراء في تاريخها المعاصر وهي تظاهرة fM86 الشهيرة التي احتضنتها مراكش في صيف الف وتسعمائة وستة وثمانين وجعلت من صحراء صيفها فضاء نابضا بالحياة والابداع
في تلك الايام لم تكن المدينة تعرف غير صيف ملتهب من الزوار وباهت من حيث الحركية الثقافية الى ان جاء هذا المشروع الجماعي الذي جسد حلم الخروج من عزلة الصيف الثقافية وولادة صيف يحتفي بالفن والحياة وقد كان للحبيب ابوريشة الاعلامي المتمرس دور مركزي في اخراج هذا المشروع الى النور الى جانب عدد من الوجوه التي آمنت ان لمراكش الحق في صيف مختلف صيف ينبض بالانغام والالوان والفرجة
ولعل الصورة الارشيفية التي وثقت فريق العمل وفي مقدمتهم الحبيب ابوريشة الى جانب المندوب العام للمهرجان تظل شاهدا على تلك المرحلة الذهبية حيث اجتمع الحلم والارادة وتمكنت مراكش من استضافة اسماء عالمية لامعة امثال جيمس براون والف بلاندي وصافو وغيرهم من نجوم الاغنية العربية والعالمية في مشهد لم تعرف له المدينة مثيلا من قبل..
لكن اسهامات الحبيب ابوريشة لم تتوقف عند حدود هذه التظاهرة الفريدة فقد كان احد الاسماء الوازنة التي وضعت اللبنات الاولى لاعلام مراكشي مهني مستقل وفاعل من خلال مساهمته البارزة في تأسيس جريدة مراكش الاخبارية التي شكلت منذ انطلاقها منبرا صادقا لنقل قضايا المدينة وصوتا حرا يعبر عن نبض الشارع وهموم الناس باسلوب مهني وبلغة تحترم ذكاء القارئ وتطلعاته
ان الحديث عن الحبيب ابوريشة هو حديث عن اعلامي آمن بان الكلمة الصادقة والفعل الميداني هما السبيلان الوحيدان لاحداث التغيير وهو حديث عن رجل ظل وفيا لذاكرة المدينة ولقضيتها الثقافية والاعلامية التي ما تزال في حاجة الى امثاله من اصحاب الرؤية والغيرة الصادقة
اليوم وبعد مرور ما يقارب اربعة عقود على تظاهرة fM86 يعود الحديث عن تلك اللحظة التاريخية ويعود معه الامل في ان ترى المدينة من جديد تظاهرات فنية وثقافية بنفس ذاك النفس الابداعي المتجدد الذي لطالما آمن به الحبيب ابوريشة وجسده واقعا في زمن كانت فيه الاحلام اكبر من الامكانيات لكن العزيمة كانت اكبر من كل التحديات